التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية ومستقبل النقود

“كل وقت وله أذان” هو تعبير شائع عن دورة حياة الأشياء. كل ما نواجهه في حياتنا له بداية وله نهاية، والنقود ليست استثناء من تلك القاعدة.

إننا نتعامل مع النقود بكل ثقة على اعتبار أنها أداة للحفاظ على القيمة. وكما أنها مقبولة لدى الجميع، فيمكن استخدامها أيضًا لنقل الملكية، ليس فقط في بلد ما أو منطقة ما، ولكن في العالم أجمع.

ولسنوات طويلة، اعتمد النظام المالي العالمي على النقود في تنفيذ خطط وسياسات، واندمج العالم في ذلك من خلال العديد من الممارسات الاقتصادية والمالية والتي تستخدم النقود كمقابل للسلع الخدمات، ومؤخرًا أصبحت هي ذاتها مخزناً للقيمة، حيث يقوم الأطراف المختلفة في تداول النقود ذاتها، وتحقيق أرباح من تفاوت قيمتها على مر الزمن، أو الحصول على أرباح بسبب فرق أسعار العملات، وهو ما يعرف بالتداول.

الاقتصاد الدولي الحالي غير قابل للاستمرار

غير أن النظام المالي الحالي القائم على العملات الوطنية التي تصدرها الدول المختلفة يعاني من الكثير من الضغوط مثل التضخم والتجارة غير المشروعة، وغيرها من التحديات التي تشير جميعها إلى الهشاشة التي يعاني منها، وان كل المؤشرات تقود إلى طريق واحد تنتهي فيه سيطرة النقود بشكلها الحالي لتحل محلها، لعل أبرزها ظهور عملات مشفرة تستند إلى تقنية البلوكشين، كما أنها لا تتبع دولة معينة، أو يقوم البنك المركزي بإصدارها، وإنما يمكن الحصول عليها في الأساس عن طريق التعدين أو عن طريق الشراء في مقابل أحد العملات التقليدية الأخرى.

ظهور عملات رقمية جديدة بشكل مستمر يهيئ لها لعب دور أكبر في الاقتصاد العالمي

لاقت العملات الرقمية قبولاً واسع النطاق الأمر الذي أدى إلى ظهور عملات رقمية جديدة بشكل مستمر ، مثل البيتكوين والإثيريوم وليتكوين، وغيرها الكثير. وتتصدر عملية بيتكوين قائمة العملات الرقمية بأعلى قيمة سوقية مقومة بالدولار الأمريكي. الأمر الذي أهلها لتكون مصدراً للقيمة، ويمكن التعامل بها في في المضاربات والمعاملات التجارية العادية من بيع وشراء.

كذلك، فقد بدأت شركات التداول عبر الإنترنت اعتماد البتكوين كأول عملة مشفرة لتداول الأصول مثل الأسهم والسلع وأيضا العقود مقابل الفروقات CFD دول الحاجة لتحويل البيتكوين إلى أي عملة ورقية أخرى بحيث يتم التداول مباشرة باستخدام البيتكوين.

طبيعة العملات المشفرة التي تساعدها على أداء دور هام في النظام المالي المستقبلي

تعتمد العملات الورقية على مدى قوة الاقتصادات التابعة لها، حتى أن قوة العملة تعد مؤشراً صادقًا ودقيقًا على قوة اقتصاد الدولة ومدى تعافيه من الأزمات. لكن في المقابل، نجد ارتباط العملات الورقية بالكثير من العوامل الأخرى مثل الصراعات الجيوسياسية، والأحداث الطبيعية كالكوارث والأوبئة. لكن على صعيد العملات المشفرة، نجد أنها تعمل في بيئة محايدة، لا تنتمي لأي حكومة أو نظام، وتتسم جميع عملياتها بالشفافية المطلقة، مما يزيد من الثقة في قيمتها، لكنها في ذات الوقت تتسم بالتقلب الشديد في القيمة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو تغريدات إيلون ماسك، والتي تسببت في تذبذب شديد في سعر العملة الأشهر حول العالم، الأمر الذي نجم عنه انخفاض حاد في قيمتها السوقية.

وأيا ما كان فإن العملات الرقمية في طريقها إلى التعافي والصعود مجددًا واستعادة ما فقدته من انخفاض في قيمتها السوقية، حتى أن بعض الخبراء قد تنبأوا بوصول سعر البيتكوين إلى ما يقرب من 500 ألف دولار بحلول عام 2030.

على صعيد متصل، نجد أن تقنية سلاسل الكتل التي تقوم عليها كافة المعاملات بالعملات المشفرة تتخطى الحدود، وتتغلب على الكثير من المصاعب والمعوقات التي تواجه العملات الورقية، والتي من أبرزها انخفاض تكلفة المعاملات بسبب عدم الحاجة إلى وسطاء تحويل يفرضون رسومًا على عمليات تحويل الأموال، كذلك سرعة إنجاز المعاملات بسبب عدم التقيد بمواعيد عمل البنوك.

وعلى الرغم من أن عمليات تعدين البيتكوين تزداد صعوبة وتعقيدًا يومًا بعد يوم، إلا أنه من المنتظر ان تظهر أنواع أخرى للعملات الرقمية والتي ستجد لنفسها مكاناً في التعاملات المالية المختلفة، وسيقبل الناس عليها، مما يؤدي إلى ارتفاع سعرها.

خاتمة

لا شك أن النظام المالي في حاجة إلى تطوير، والمتتبع لشكل النقود على مر السنين يلحظ ذلك بشكل واضح، فقط تحول شكل النقود المادية إلى نقود افتراضية، في صورة بطاقات، كما ظهرت المحافظ الإلكترونية، وهي أيضًا محافظ افتراضية، وحالياً ظهرت عملات رقمية عديدة، والتي قامت بتغيير قواعد اللعبة، وأضافت مفاهيم جديدة للتعاملات المالية من حيث الشفافية، وسرعة الإنجاز، وعدم التقيد بالحدود الدولية، أو الصراعات الجيوسياسية، ويبرز دورها بشكل تدريجي في عمليات الاستثمار المختلفة عبر الإنترنت.